سورة الحشر - تفسير تفسير الثعالبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الحشر)


        


قوله عز وجل: {وما أفاء الله على رسوله} أي ما رد الله على رسوله {منهم} أي من يهود بني النضير {فما أوجفتم عليه} يعني أوضعتم وهو سرعة السير {من خيل ولا ركاب} يعني الإبل التي تحمل القوم وذلك أن بني النضير لما تركوا رباعهم وضياعهم طلب المسلمون من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقسمها بينهم كما فعل بغنائم خيبر فبين الله تعالى في هذه الآية أنها لم يوجف المسلمون عليها خيلاً ولا ركاباً ولم يقطعوا إليها شقة ولا نالوا مشقة وإنما كانوا يعني بني النضير على ميلين من المدينة فمشوا إليها مشياً ولم يركب إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على جمل، {ولكن الله يسلط رسله على من يشاء} من أعدائه {والله على كل شيء قدير} أي فهي له خاصة يضعها حيث يشاء فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين ولم يعط الأنصار منها شيئاً إلا ثلاثة نفر كانت بهم حاجة وهم أبو دجانة سماك بن خرشة وسهل بن حنيف والحارث بن الصمة.
(ق) عن مالك بن أوس النضري أن عمر دعاه إذ جاءه حاجبه يرفأ فقال هل لك يا أمير المؤمنين في عثمان وعبد الرحمن بن عوف والزبير وسعد يستأذنون؟ قال نعم فأدخلهم فلبث قليلاً ثم جاء يرفأ فقال هل لك في عباس وعلي يستأذنان؟ قال نعم فأذن لهما فلما دخلا قال العباس يا أمير المؤمنين اقض بيني وبين هذا فقال القوم أجل يا أمير المؤمنين اقض بينهما وأرح أحدهما من الآخر قال مالك بن أوس يخيل إليّ أنهم قد كانوا قدموهم لذلك فقال عمر اتئدوا أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا نورث ما تركنا صدقة» يريد بذلك نفسه قالوا نعم ثم أقبل عمر على العباس وعلي وقال أنشدكما بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض أتعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا نورث ما تركنا صدقة» قالا نعم قال عمر إن الله خص رسول الله صلى الله عليه وسلم بخاصة لم يخصص بها أحداً غيره فقال {وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب} الآية قال فقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم بينكم أموال بني النضير فوالله ما استأثرها عليكم ولا أخذها دونكم فقد أعطاكموها وقسمها فيكم حتى بقي هذا المال وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ منه نفقة سنة ثم ما بقي يجعله مجعل مال الله فعمل بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حياته ثم أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض أتعلمون ذلك؟ قالوا نعم قال ثم نشد عباساً وعلياً بمثل ما نشد القوم أتعلمان ذلك؟ قالا نعم قال فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو بكر أنا ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبضه أبو بكر فعمل فيه بما عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنتم حينئذ وأقبل على علي وعباس وقال تذاكران أن أبا بكر عمل فيه كما تقولان والله يعلم إنه لصادق راشد تابع للحق ثم توفى الله أبا بكر فقلت أنا ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر فقبضته سنتين من إمارتي أعمل فيهما بما عمل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر والله يعلم إني فيه لصادق بار راشد تابع للحق ثم جئتماني كلاكما وكلمتكما واحدة وأمركما جميع فقلت لكما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا نورث ما تركنا صدقة» قلتم ادفعها إلينا فلما بدا لي أن أدفعها إليكما قلت إن شئتما دفعته إليكما على أن عليكما عهدا للّه وميثاقه لتعملان فيه بما عمل فيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأبو بكر وما عملت فيه منذ وليت وإلا فلا تكلماني فقلتما ادفعه إلينا بذلك فدفعته إليكما أفتلتمسان مني قضاء غير ذلك فو اللّه الذي بإذنه تقوم السماء والأرض لا أقضي فيه بقضاء غير ذلك حتى تقوم الساعة فإن عجزتما عنه فادفعاه إليّ فإني أكفيكماه.


قوله تعالى: {ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى} يعني من أموال كفار أهل القرى قال ابن عباس هي قريظة والنضير وفدك وخيبر وقرى عرينة {فلله وللرسول ولذي القربى} يعني بني هاشم وبني المطلب {واليتامى والمساكين وابن السبيل} قد تقدم تفسيره في سورة الأنفال في حكم الغنيمة وقسمتها وأما حكم الفيء فإنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم مدة حياته يضعه حيث يشاء فكان ينفق على أهله منه نفقة سنتهم ويجعل ما بقي مجعل مال الله في الكراع والسلاح عدة في سبيل الله.
واختلف العلماء في مصرف الفيء بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال قوم هو للأئمة بعده وللشافعي فيه قولان أحدهما أنه للمقاتلة والثاني هو لمصالح المسلمين ويبدأ بالمقاتلة ثم بالأهم فالأهم من المصالح.
واختلفوا في تخميس مال الفيء فذهب قوم إلى أنه يخمس فخمس لأهل خمس الغنيمة وأربعة للمقاتلة أو للمصالح وذهب الأكثرون إلى أنه لا يخمس بل مصرف جميعه واحد ولجميع المسلمين فيه حق قرأ عمر بن الخطاب «ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى حتى بلغ للفقراء المهاجرين إلى قوله والذين جاؤوا من بعدهم» ثم قال هذه استوعبت المسلمين عامة قال وما على وجه الأرض مسلم إلا وله في هذا الفيء حق إلا ما ملكت أيمانكم {كيلا يكون} الفيء {دولة} والدولة اسم للشيء الذي يتداوله القوم بينهم {بين الأغنياء منكم} يعني بين الرؤساء والأقوياء فيغلبوا عليه الفقراء والضعفاء وذلك أن أهل الجاهلية كانوا إذا غنموا غنيمة أخذ الرئيس ربعها لنفسه وهو المرباع ثم يصطفي بعده ما شاء فجعله الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم يقسمه فيما أمره به {وما آتاكم الرسول فخذوه} أي من مال الفيء والغنيمة {وما نهاكم عنه} أي من الغلول وغيره {فانتهوا} وهذا نازل في أموال الفيء وهو عام في كل ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم أو نهي عنه من قول أو عمل من واجب أو مندوب أو مستحب أو نهى عن محرم فيدخل فيه الفيء وغيره.
(ق) عن عبد الله بن مسعود أنه قال: لعن الله الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها أم يعقوب وكانت تقرأ القرآن فأتته فقالت ما حديث بلغني عنك أنك قلت كذا وكذا وذكرته فقال عبد الله وما لي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب الله تعالى فقالت المرأة لقد قرأت لوحي المصحف فما وجدته فقال إن كنت قرأته لقد وجدته قال الله عز وجل: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} الوشم هو غرز العضو من الإنسان بالإبرة ثم يحشى بكحل والمستوشمة هي التي تطلب أن يفعل بها ذلك والنامصة هي التي تنتف الشعر من الوجه والمتفلجة هي التي تتكلف تفريج ما بين ثناياها بصناعة وقيل هي التي تتفلج في مشيتها فكل ذلك منهي عنه.
(ق) عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.


{للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم} يعني ألجأهم كفار مكة إلى الخروج {يبتغون فضلاً من الله} أي رزقاً وقيل ثواباً من الله {ورضواناً} أي أخرجوا من ديارهم طلباً لرضا الله عز وجل: {وينصرون الله ورسوله} أي بأنفسهم وأموالهم والمراد بنصر الله نصر دينه وإعلاء كلمته {أولئك هم الصادقون} أي في إيمانهم قال قتادة المهاجرون الذين تركوا الديار والأموال والعشائر وخرجوا حباً لله ولرسوله واختاروا الإسلام على ما كانوا فيه من شدة حتى ذكر لنا أن الرجل كان يعصب الحجر على بطنه ليقيم به صلبه من الجوع وكان الرجل يتخذ الحفيرة في الشتاء ما له دثار غيرها.
(م) عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم القيامة إلى الجنة بأربعين خريفاً» وعن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أبشروا صعاليك المهاجرين بالنور التام يوم القيامة تدخلون الجنة قبل أغنياء الناس بنصف يوم وذلك خمسمائة سنة» أخرجه أبو داود.

1 | 2 | 3 | 4 | 5